ما الرسالة وراء فيلم «المعلم»؟ مقابلة مع المخرجة الفلسطينية فرح النابلسي
سعدنا بالتحدث مع المخرجة فرح النابلسي عن فيلمها الأخير «المعلم»..
إن كنت مهتماً بالأفلام عن فلسطين، فمن المتوقع أنك سمعت عن فيلم «الهدية» (The Present) (2020) للمخرجة فرح النابلسي، التي سعدنا بمقابلتها مؤخراً، فهو أحد أكثر الأفلام المؤثرة والمشحونة عاطفياً التي قد تجدها على نتفليكس. حيث يحكي الفيلم قصة رجل يصطحب ابنته في رحلة لشراء هدية ذكرى زواجه لزوجته. وقد تظن أن هذه القصة اعتيادية وغير لافتة، هذا حتى تعلم أن الأب وابنته من فلسطين، وأن رحلتهم تتطلب منهم المرور عبر نقاط تفتيش متعددة داخل الضفة الغربية المحتلة. ومن هنا تتطور الأحداث.
فاز هذا الفيلم القصير بأكثر من 50 جائزة من جوائز لجنة التحكيم والجمهور في المهرجان السينمائي الدولي، كما حصل على جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام (البافتا)، وترشح لجائزة أوسكار حتى. وهذا الشهر، تعرض فرح النابلسي أحدث أفلامها الروائية، فيلم «المعلم» (The Teacher)، للمرة الأولى.
يتناول «المعلم» نفس موضوع النجاة من العذاب الذي يتناوله «الهدية» إلى جانب التواصل الإنساني، وقد تم تصويره في الضفة الغربية ليعرض واقع الحياة المريرة تحت قمع الاحتلال. وهو موضوع يهم العالم أجمع حالياً. ولقد حالفنا الحظ بلقاء فرح قبل إصدار فيلم «المعلم» في دول مجلس التعاون الخليجي في 8 فبراير، وجرت المقابلة مع فرح النابلسي هكذا:
يمنح كلا فيلمي «المعلم» و«الهدية» قيمة عميقة إلى أهمية التواصل الإنساني. هل هذه رسالة تحاولين التركيز عليها عمداً، أم أنها نتجت طبيعياً نسبة لموقع القصتين أو أسلوبك في سرد القصص؟
من المؤكد أنها نتجت طبيعياً من الأسلوب الذي أحب اتباعه لسرد القصص، ولكنني أعتقد أن كل راوي يتأثر لا شعورياً بنظرته الخاصة إلى الحياة، وعلاقاته الشخصية، وتربيته، ومعتقداته وتجاربه الشخصية. فأنا أم لخمسة أطفال، وقد قال لي أحدهم مؤخراً إن جميع أفلامي حتى الآن (باستثناء فيلمي الأول) يبدو أنها تركز على العلاقة بين الآباء والأولاد بطريقة أو بأخرى، وقد أذهلني ذلك لأنني لم أدرك ذلك في السابق، ولكنه صحيح تماماً.
في فيلم «المعلم» على وجه التحديد، تلعب العلاقة بين الأب والابن دوراً مهماً في الفيلم. يمكنك القول إن هذه العلاقة بمثابة الغراء الذي يوحّد أطراف القصة معاً. فاعتبر أن حب الآباء وتفانيهم لأطفالهم، وأن تعاملهم مع خسارة أو استعادة أطفالهم أو ردة فعلهم عند الشعور بالذنب تجاه طفلهم هو جزء لا يتجزأ من أحداث الفيلم. وهذا ينطبق على علاقات جميع الآباء في الفيلم مع أبنائهم سواء كانت علاقة باسم بآدم، أو علاقة باسم بيوسف، أو علاقة سيمون بناثانيال.
أرى كأم أن حبي لأطفالي، وتعلقي بهم، وعلاقتي الإنسانية معهم كوالدتهم هو ما يشكّل جزءاً كبيراً من هويتي ويعبّر عن الكثير عمّا أعرفه وأشعر به كإنسان. فليس هناك أدنى شك في أن هذا يشكّل ما أنا عليه كمخرجة سينمائية.
باعتبارك مولودة في المملكة المتحدة من أصول فلسطينية، كيف تشعرين أن هويتك المزدوجة قد أثرت في طبيعة المواضيع التي تنجذبين إليها؟
أدرك تماماً أنني محظوظة لأنني مقسومة بين الغرب والوطن العربي، وخاصة فلسطين. وأعتقد أن ذلك أثّر جزئياً على المواضيع التي أنجذب إليها، كما ساعدني في تكوين منهج وطريقة فريدة وخاصة بي عند اكتشاف هذه المواضيع وسردها كراوية.
ومع ذلك، لا يتعلق انجذابي إلى أي موضوع بخلفيتي الثقافية أو العرقية على وجه التحديد بقدر ما يتعلق برغبتي في صنع أفلام تهمني شخصياً ليس كإبداعية فحسب، ولكن كإنسانة ككل. أحب استكشاف الرسائل والمواضيع التي تهمني على المستوى العميق والشخصي.
قرأت مرة عبارة لأحد الناقدين الفنيين تقول: «لا يمكننا أن نصنع الفن دون إيجادنا لهوينا، ولكن الهوية هي التي نسعى لإيجادها عند صنع الفن». ولقد أثرت بي هذه العبارة جداً. فأعتقد أنني أصنع الأفلام عن مواضيع تهمني وأرى فيها قيمة، لكنني في الوقت نفسه أحاول اكتشاف هويتي كمخرجة وكإنسانة. وخلال عملية صنعي لأفلامي، أتعلم فعلياً ما يهمني ويجذبني أيضاً.
ما هو منبع إبداعك؟ هل هناك عملية عفوية تجريها لتطوير أفكارك؟
بالنسبة لي، عملية الإبداع هي بالتأكيد عفوية أكثر من كونها منظمة. أنا لست كاتبة أو مخرجة من النوع الذي يجلس ويكتب النصوص لمدة 3 ساعات كل يوم مهما كانت الظروف. ففي بعض الأحيان، تنهمر عليّ الأفكار أثناء ممارستي التمارين الرياضية، أو اليوجا، أو أثناء استلقائي على السرير محاولة النوم. ووقتها يتكوّن لدي مشهد كامل مدروس، أو يظهر لي تطور جديد في القصة، أو اكتشف كيف أريد تصوير مشهد معين، لذا أسارع لكتابة أفكاري عندما أكون في تلك المرحلة من العملية الإبداعية.
وفي أحيان أخرى قد أقضي أياماً، أو حتى أسابيع، دون أفكار مبدعة ودون أي إلهام. فإبداعي يمر بمراحل من الوفرة والقحط، من الفيضان والجفاف. أعتقد أيضاً أن جميع الفنانين ينزل عليهم الإلهام ويمر من خلالهم، ومن بعض النواحي نحن كفنانين مجرد قنوات لهذا الإلهام. ومن الناحية العملية، أنا أكتب الملاحظات.. الكثير من الملاحظات.
هل هناك عناصر في فيلم «المعلم» تأملين أن ينتبه إليها الجمهور أكثر من أي عنصر آخر؟
أعتقد أنه يتعين عليّ الإجابة بموضوع العدل أو الظلم. ففكرة العجز عن اللجوء إلى العدالة هي بكل معنى الكلمة واحدة من أكثر الأشياء المؤلمة التي يمكن أن يتعامل معها الشخص في حياته. ماذا يعني عندما تتعرض أنت أو أي شخص تحبه للظلم أو تتعرض لمثل هذه القسوة أو الإجرام أو العنف أو القمع، وثم لا يمكنك اللجوء إلى العدالة؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على فرد أو مجتمع بأكمله؟ هذا ما آمل أن يفكر فيه الجمهور.
ماذا يمكنكِ أن تخبرينا عن خطوة فرح النابلسي التالية؟
أفضل كثيراً أن أحافظ على سرية خططي، وأميل إلى الامتناع عن الحديث عن أي شيء حتى يصبح قيد الصنع. لكنني بدأت العمل على كتابة نص جديد، استناداً إلى قصة كنت قد كتبتها خلال جائحة كورونا. وهي قصة عن هوية الإنسان ومدى استعداده للتضحية حتى يتمكن من تحقيق حلمه النهائي. آمل حقاً أن أتمكن من إخراج هذا النص والعمل عليه حتى خط النهاية.
مصدر الصور: مذكور